اختلالات التوازن المناخي
تعرف جل مناطق العالم كما هو الحال بالنسبة للمغرب اختلالات في التوازن المناخي الطبيعي ، حيث أصبحت هذه الظاهرة عامة و تأثيراتها على الموارد و النظم البيئية تثير تخوفات و هواجس من ما سيؤول إليه الوضع في المستقبل القريب قبل البعيد.
تراجع نسبة التساقطات المطرية إلى مستويات مخيفة، و سوء انتظامها جغرافيا و زمنيا ، أصبح يلزمنا كمواطنين و كمسؤولين مراجعة طرق استعمال و تدبير المياه حفاظا على شروط العيش الضرورية و استعمالات الماء النفعية.
الماء مورد طبيعي أصبحت إدارته و تدبير استعماله ضرورة حتمية و ملحة ، جراء التغيرات المناخية التي يعرفها العالم.
أهمية الغطاء الغابوي في تدبير المياه
توفر الغابات خدمات رائعة و جليلة للبيئة, و هي تعتبر أداة أساسية في مكافحة الاحتباس الحراري و تضمن استقرار المناخ عن طريق تقليل كمية أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. كما تلعب دورا اهم في تحسين جودة المياه و توافرها .
على المستوى المحلي، تلعب الغايات دور الحاجز المرطب للأجواء وتخفيض درجات الحرارة القصوى و التخفيف من قوة الرياح و ترطيب الهواء و تجديده. كما أنها تشكل مصدات للرياح التي تسرع التبخر و تقلل من توافر الرطوبة البيئية.
تشكل الغابات و المياه مجموعة من العلاقات المتبادلة المعقدة،. ومن خلال وظائفها البيولوجية تلعب الغابة دورا مهما في جودة و توافر هذا المورد الضروري للمجتمع و النظم البيئية. و هي تعمل على الحد من الجريان السطحي للمياه و تساهم في تحسين تخزينها ، كما تحد بصفة كبيرة من الانجرافات التي تفقد التربة و تؤثر سلبا على التوازنات البيئية و الاستثمارات الكبيرة من قبيل بناء السدود و التي تحد من جدواها بسبب التوحل و نقصان طاقتها الاستخزانية بصفة مبكرة.
الأشجار الغابوية تساعد في زيادة نفاذية و تهوية الفرشة الترابية عن طريق تمدد الجذور ، و هو ما يتيح تخزين المياه عن طريق تقليل الجريان السطحي ، و يساهم في تعزيز تخزين المياه التي تغذي الفرشة الباطنية على العموم و تنعش العيون المائية في المناطق المنحدرة.
الغابات تعمل كإسفنج عملاق عبر تخزين المياه طوال الفترة الشتوية ، و تحريرها بتأن خلال المواسم الجافة. الغابات تشكل منظومات طبيعية لتصفية و تخزين الإمداد بنسبة كبيرة من المياه المستعملة في العالم . جذور الأشجار و أوراقها تخلق جوا مناسبا لتصفية و ترشيح مياه الأمطار داخل التراب ومن تم إلى الفرشة التحت أرضية، معززة بالتالي المخزون المائي اللازم للاستعمال في الفترات الجافة.
الغابات و الأشجار يحسنون جودة الماء بالوديان و المنحدرات و يخففون من السيلان السطحي و التلوث المرتبط به. جذور الأشجار تختزل الأغذية و الملوثات الموجودة فوق سطح الأرض قبل أن تستعملها كمواد تنتفع منها
الغابات تحد من ظاهرة و عواقب الفيضانات ، و لهذا فالحفاظ على الغابات الطبيعية و ما تتميز به من توازن بيولوجي نباتي و حيواني، تساهم في تثبيت التربة في المناطق المنحدرة و تحد من السيلان المائي السطحي و تأثيراته على كمية و جودة المياه في سافلة المنحدرات و في تعزيز المخزونات الهيدرولوجية للفرشة الماءية الباطنية.
التدبير الغابوي و ضرورة تجويده لمصلحة المغرب الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية .
في ضل الظروف الاجتماعية و الاقتصادية الحالية و التحولات المناخية المستقبلية و ما تنذر بوقوعه من تأثيرات على جل الميادين ، و في إطار التعليمات الملكية السامية التي ترمي في اتجاه العمل على تحسين تدبير المياه ، فإن الاهتمام بالموضوع يحتم مراجعة عدد السياسات المتبعة و من بينها أساسا مناهج تدبير القطاع الغابوي كثروة طبيعية لها دورها و أهميتها .
و ندرج هنا بعض الامثلة من التدابير التي يمكن أن تلعب دورا كبيرا و مهما في تثبيت الغطاء الغابوي و تثمينه و إعادة الاعتبار إليه كمورد أساسي اجتماعي و اقتصادي محلي و مدبر مهم لتخزين و تثمين الدورة المائية .
بموازاة برنامج بناء سدود جديدة لتعزيز السياسة المتبعة منذ عقود، يستحب أن تقوم الدولة بصيانة و تدبير عالية السدود الحالية ، وذلك بتكثيف الغطاء الغابوي او تخليفه للتخفيف او الحد من مضاعفة جريان المياه السطحية و توحل السدود و تراجع الدور الذي بنيت هذه السدود من أجله.
اعادة النظر في الإجراءات الإدارية المتعلقة بتدبير المراقبة و تقليص عدد المسؤولين و المراقبين المحليين ( التقنيين و الأعوان و الفرسان ) مما جعل الدور ا لغابوية أطلالا و ملاجئ للمتسكعين، و الغابة عرضة للتخريب و الضياع. إذ في الوقت الذي يكثر الضغط على الغابة و مواردها يجب تكثيف إجراءات المراقبة و التتبع عوض تقليصها و تعريض هذا المورد الطبيعي المهم للتلف و التخريب.
في ميدان التشجير و التخليف يوصي المتابعون و أهل الاختصاص بالابتعاد اكثر فاكثر على الأصناف الدخيلة في عملية التشجير و الاعتماد في كثير من الأحيان على الأصناف المحلية التي تنسجم مع الظروف البيئية و المناخية و البيدولوجية لكل منطقة ، لما لهذه الاصناف من تاثيرات إيجابية و مفيدة على جميع الاصعدة.
إشراك الجماعات المحلية التي توجد فوق ترابها غابات تابعة للدولة و تستفيد من مداخيل الاستغلال الغابوي، في برامج التكثيف و المراقبة وإعادة التقييم لما فيه المصلحة العامة و الاستفادة المحلية للسكان المجاورين و ذوي الحقوق.
إشراك السكان عبر جمعيات او تعاونيات محلية و تاطيرهم للاستفادة مما تمكنهم الغابة من فوائد إجتماعية و إقتصادية تغنيهم عن مخالفات القطع العشوائي و الرعي الجائر الذي يهدد و يسيئ إلى حاضر و مستقبل هذا الموروث الطبيعي النفيس.
بقلم / الصديق الرامي مهندس رئيس المياه والغابات / مختص في تهيئة المجال.
