ذاكرة الجديدة… الوقاية المدنية بالجديدة.. 80 سنة مضت على ظهورها أول مرة بعاصمة دكالة

تمر أمامك سيارة إسعاف تملأ الفضاء صخبا بصوتها الإنذاري ، حتما أنا جد متأكد أننا لم نطرح أبدا سؤالا لإشباع فضول يسكننا باستمرار ، منذ متى أضحت هذه السيارة مألوفة لدينا في حياتنا اليومية ، كيف كنا ندبر حوادثنا في زمن كانت فيه الوقاية المدنية في بداياتها الأولى ؟ من هم الرعيل الأول الذي شكل العمود الفقري لرجال المطافئ بالجديدة ؟
هذه كلها وبكل تأكيد تساؤلات تحيل على جزء من الماضي المنسي لهذه المدينة التي كانت سباقة إلى استقبال عدد من الخدمات المتميزة ، نظير أول قاعة مغطاة وأول مستشفى سنة 1916 .
فالوقاية المدنية خدمة ولدت من صلب الحروب والكوارث التي عاشتها القارة الأوربية ، وكانت نشأتها الأولى بشكل منظم ومهيكل على يد الطبيب الفرنسي ” جورج سان بول ” سنة 1931 وأطلق عليها أول مرة ” الحماية المدنية ” واختار باريس مقرا لها قبل أن تتطور لتصبح فيما بعد المنظمة الدولية للحماية المدنية .
ويبدو بديهيا أن فرنسا التي فرضت الحماية على بلادنا سنة 1912 ، كان من الطبيعي أن تنقل إلى مستعمراتها ومنها المغرب مجموعة من الخدمات من تلقيح ووقاية وغيرها ، ليس لسواد عيون المغاربة يومذاك ولكن لتحصن رعاياها المعمرين من كل الأوبئة المنتشرة في ذلك الوقت .
وكان على مدينة الجديدة أن تنتظر حتى 1940 لاستقبال أول تجربة لرجال المطافئ ” البومبية ” كما كان يحلو لأهل المدينة تسميتهم ، كانت الثكنة ” القشلة ” الأولى على عهد الفرنسيس بدرب السوميك في المستودع البلدي أوما كان يعرف ” سربيس مانيسيبو ” ا

لذي كانت به ” كروسة بيضاء ” لنقل الأموات مكتوب عليها بأحرف بارزة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ، كل نفس ذائقة الموت ” وترأس هذه الخدمة الفرنسي ” جانير ” وبعده إسكيش “
وواصل الفرنسي ” فينيي” الإشراف على الوقاية المدنية بالجديدة حتى بعد الاستقلال ، وهو مهندس بلدي لأن الوقاية المدنية كانت تابعة إلى البلدية كما في باقي المدن المغربية واستمرت كذلك إلى غاية سنة 1984حيث انتقلت من مسؤولية الجماعات إلى مسؤولية الدولة التي أضفت عليها لاحقا الطابع العسكري .
كانت البداية الأولى بثكنة السوميك بوسائل ضعيفة ، قوامها شاحنة واحدة للإطفاء وسيارة إسعاف فرنسية فضلت عن الحرب العالمية الثانية وفي كثير من الأحيان كان رجال المطافئ يستعينون ب” سطول ” من المياه لإخماد حرائق لعدم توفر فواه مياه بالعديد من أحياء الجديدة .
واستمرت الحالة كذلك إلى سنة 1962 وبالضبط في شهر يونيو ، حيث انتقلت الخدمات الوقائية إلى الثكنة الحالية قرب الدرك الملكي بزنقة القاهرة .
وتعاقب على رئاستها عدد من المسؤولين إلى غاية سنة 1969تولاها ” صالح ديا ” وكان العامل هو ” صالح لمزيلي ” والكاتب العام هو ” صالح جبران ” وكان الجديديون يتندرون بالقول أن مدينتهم يسيرها ” الصالحون ” لتطابق أسماء المسؤولين الثلاثة .
وترأس الوقاية المدنية بعد ذلك العذراوي وامحمد البطيوي وسعد وعدد آخر إلى من يتراسها اليوم وهو الكولونيل بوعسرية .
كان عدد رجال المطافئ آنذاك لا يزيد عن 20 يؤمنون خدمات التصدي للحرائق والفيضانات والغرقى وحوادث السير رغم

قلتها آنذاك في ربوع كل دكالة التي كانت تشمل إقليمي الجديدة وسيدي بنور وهم يبلغون اليوم بغقليم الجديدة 140 فردا قياسا بتطور ساكنة الغقليم وامتداده العمراني .
الرعيل الأول لرجال المطافئ الذين يظهرون في الصورة رفقته ، كان يتكون من العرابي و الملازم أحمدبومطيرة والساقي وبنسعود وبياضة والصمام وبوغركة وبنغاموس وبكار ومرواني وسي خليفة والغرباوي ومنومر وبشار وأبوالنعيم والطيبي وسفيان وقميح وباشري ولعقيري .
والملاحظ أن عددا من لاعبي الدفاع الحسني الجديدي كانوا رجال مطافئ ضمنهم الصمام وسي خليفة والغرباوي والزوفري .
تحسنت الأحوال شيئا ما في المعدات بالانتقال إلى الثكنة الجديدة صيف 1962 ، إذ كانت سيارة إسعاف بيضاء التي تظهر في الصورة من تركة الفرنسيين ، وكانت تستخدم في الحرب العالمية الثانية ، ويذكر كل الجديديين أنها كانت بباب خلفي ومنظرها مخيف لحد كبير ، لأن ناس زمان كانوا يعتقدون أن كل من حملته تلك السيارة إلى المستشفى ، حظوظ نجاته من الموت ضعيفة ، ولنا مع تلك السيارة ذكريات منها أن الناس كانت تركب رقم الوقاية المدنية ببلاغات كاذبة عن وقوع خطر ما بأحد الاحياء ، ويسرهم حضور رجال المطافئ لأجل واقعة كاذبة .
ونذكر لهذه السيارة أنه ذات يوم حضرت لنقل سيدة مريضة في فيلا قبالة مخبزة شارلوت بشارع الحسن الثاني ، وأن رجلي الوقاية دخلا لحمل السيدة ، فلما عادا لم يجدا سيارة الإسعاف البيضاء ، واعتقدا انها سرقت قبل أن يتأكدا بأنهما نسيا ” الفرانمان ” وسحبتها العقبة إلى أن توقفت قرب المارشي سنطرال .
كما أضحى رجال المطافئ يمتلكون قاربا مطاطيا لانتشال الغرقى وبضع سيارات تظهر في الصورة وتحيلنا على ” المغرب العميق ”
هذه قصة رجال المطافئ بالجديدة على مدى 80 سنة خلت كانت كلها عطاء برغم قلة الإمكانات اللوجيستيكية ، وهي مناسبة نترحم فيها على الأموات منهم وندعو للمتقاعدين بالصحة والعافية ، وللمزاولين بالتوفيق في رسالتهم النبيلة …كتبها – عبد الله غيتومي.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الجديدة…النقابة الوطنية للتعليم تصدر بيانا

عقد المكتب الإقليمي للنوت بالجديدة اجتماعا بمقر النقابة يومه الإثنين 22 يناير 2024 تدارس من ...